1899
1990
2024

الاستقلال و بناء الدولة الحديثة

معاهدة 1899:

طلب الحاكم السابع لدولة الكويت الشيخ مبارك الصباح – طيب الله ثراه- والملقب ب"مبارك الكبير" الحماية من بريطانيا في سبتمبر من عام 1897م بسبب الخلاف مع الدولة العثمانية، إلّا أنّ طلبه قوبل بالرفض من قبل الحكومة البريطانية معللّةً أنّ بريطانيا لاترى ضرورة للتدخل في شئون المنطقة، ولكنّها سرعان ما غيرّت موقفها بعد اتساع تأثير قوة الدولة العثمانية ووافقت على إبرام الاتفاقية في 23 يناير1899م، وكان من أبرز ملامح هذه الاتفاقية هو عدم قيام الشيخ مبارك الصباح بتعيين أي وكيل أو قائم مقام دون موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية.

تمّ تعيين الكابتن نوكس كمعتمد بريطاني في الكويت ووافق الشيخ مبارك الصباح- رحمه الله- على تعيينه، ووصل الكويت في أغسطس عام 1904م، واستمر في هذا المنصب حتى 28 أبريل 1906م. بعد ذلك، توالى تعيين المعتمدين السياسيين في الكويت حتى تم إعلان استقلال الكويت عام 1961م.

استغل الكويتيون هذه المعاهدة في بناء و تدعيم وإرساء قواعد الدولة الحديثة، حيث أنّ تلك المعاهدة وفرّت للكويت وحكّامها الاستقرار السياسي الخارجي إلى حدٍ كبير، والحماية من الأخطار والأطماع الخارجية التي كانت تحيط بها، وانعكس هذا الاستقرار الخارجي على الداخل، فاهتم حكام الكويت ببناء الإمارة، فشُيّدت المدارس مثل المدرسة المباركية و المدرسة الأحمدية، وتمّ إنشاء مجلس الشورى عام 1921م، وتمّ تنظيم أول انتخابات في البلاد وكانت للمجلس البلدي عام 1932م، وأيضاً المجلس التشريعي عام 1938م، كما تمّ إنشاء مجلسي الصحة و المعارف عام 1936م، ودائرة الأمن العام عام 1938م، ودائرة الأيتام عام 1939م، كما قام الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح -طيب الله ثراه- بتوقيع اتفاقية مع شركات أمريكية و بريطانية للتنقيب عن النفط عام 1934م.

كان عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح- طيب الله ثراه- الإنطلاقة الحقيقية على طريق الاستقلال، فمنذ توليه الحكم عام 1950م قام باتخاذ خطواتٍ حثيثة باتجاه قيام الدولة الدستورية المستقلة، وعمل على اصدار قوانين وتشريعات تدعم قيام الدولة المستقلة، فأصدر قوانين الجنسية وتنظيم القضاء عام 1959م، وقانون النقد عام 1960م، وتمّ تأسيس إدارة الفتوى والتشريع في نفس العام، وتنظيم الدوائر الحكومية وغيرها من القوانين والنظم التي تعتبر من مقومات الدولة.


و نتيجةً للتطورات الملموسة على الصعيدين الداخلي والخارجي، التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في استقلال الكويت، ارتفعت الأصوات الداخلية المطالبة بالاستقلال، الأمر الذي دفع الشيخ عبدالله السالم الصباح -طيب الله ثراه- أن يلعب دوراً فعّالاً في إتمام مساعيه لاستقلال دولة الكويت، فأبدى للحكومة البريطانية رغبة الكويت في إنهاء معاهدة الحماية، واستبدالها باتفاقيات أخرى تتوافق والواقع العربي والدولي، وتتناسب والمستجدات الداخلية في البلاد، مشدداً على ضرورة احترام رغبة الكويتيين بالاستقلال التام.

إلغاء الاتفاقية و إعلان الاستقلال

كان استقلال دولة الكويت الفعلي في 19 يونيو 1961م، حين تبادل الشيخ عبدالله السالم الصباح -طيب الله ثراه- مذكرتين مهمتين مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي آنذاك السير وليام لوس تضمنتا "إلغاء معاهدة 1899" كونها تتنافى مع سيادة الكويت واستقلالها وأن تستمر العلاقات بين بريطانيا و الكويت على أساس الصداقة الوثيقة.

الاستقلال بمفهومه يعني دولة ذات سيادة وكيان مستقل وتقوم برسالتها الخارجية دون وصاية دولة أخرى، وهذا ما تحقق في وثيقة الاستقلال التي وقّعها آنذاك أبو الدستور الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله.

فرضت المرحلة الجديدة للاستقلال اتخاذ العديد من الاجراءات القانونية والدستورية والدبلوماسية، وكان من أبرزها صدور مرسوم أميري يدعو إلى إجراء انتخابات عامة لوضع مجلس تأسيسي يتولى مهمة إعداد دستور للبلاد، وخلال تسعة أشهر من تاريخ انتخاب هذا المجلس تمّ انجاز مشروع دستور دولة الكويت والذي يتألف من 183 مادة، وتمّ تقديمه لصاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح- رحمه الله- الذي صدّق عليه، و أصدره في 11نوفمبر 1962م.

تم استبدال علم البلاد الذي كان باللون الأحمر تتوسطه كلمة "كويت" إلى العلم الحالي، وفي 23 يناير 1962م، تمّ إجراء أوّل انتخابات نيابية في تاريخ الكويت الحديث لاختيار خمسين نائباً يمثلون عشرة دوائر انتخابية وفقاً لأحكام الدستور، وفي 29 يناير 1963 افتتح المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح أول مجلس للأمة في تاريخ دولة الكويت.

كان استقلال الكويت بداية مرحلة جديدة لدخولها ضمن بلدان المجتمع الدولي، وفق سياسة كويتية خاصة أركانها السعي إلى السلام، و تحقيق التعاون مع مختلف دول العالم ضمن إطار علاقات الأخوة والصداقة بين الدول والشعوب. كان إنشاء وزارة للخارجية هو الخطوة الأولى على الصعيد السياسي والبلوماسي لتقوم بدورها المنوط بها، فصدر مرسوم أميري في 19 أغسطس 1961م يقضي بإنشاء دائرة للخارجية تختص بالقيام بالشئون الخارجية للدولة، ودمج سكرتارية حكومة الكويت بدائرة الخارجية والتي تحولت في أوّل تشكيل وزاري إلى وزارة الخارجية.

ثم قدّمت الكويت بعد استقلالها طلباً للانضمام لجامعة الدول العربية، حيث عقد مجلس الجامعة اجتماعاً بتاريخ 16 يوليو 1961م، وأصدر قراراً بقبول الكويت عضواً إلى جانب شقيقاتها الدول العربية.

وفي 30 نوفمبر 1961، بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في في طلب دولة الكويت بالانضمام إلى عضوية منظمة الأمم المتحدة، وفي 14 مايو 1963م، تمت الموافقة على انضمام الكويت إلى هذه المنظمة الدولية لتصبح العضو ال 111. وبهذه المناسبة، قام المغفور له الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح- وزير الخارجية آنذاك- بإلقاء كلمة دولة الكويت، وقام سموه برفع علم الكويت في هيئة الأمم المتحدة في لحظة تاريخية في مسيرة دولة الكويت.

بعد ذلك، شاركت دولة الكويت في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة ( الفاو)، واليونسكو، والبنك الدولي، ومنظمة العمل الدولية، وعملت جاهدةً من خلال نشاطها الدولي على نصرة القضايا العربية عامةً ومن بينها القضية الفلسطينية.

تكريماً لسمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح -طيب الله ثراه- ودوره الكبير في استقلال دولة الكويت وإرساء دعائم الدولة الحديثة، شهد عام 1963م، صدور مرسوم بدمج العيد الوطني للكويت بعيد الجلوس الموافق 25 فبراير، وهو ذكرى تسلّم سموه – رحمه الله- مقاليد الحكم في دولة الكويت عام 1950م.

الغزو و التحرير

الغزو العراقي لدولة الكويت:

بدأ الغزو العراقي على الكويت في الثاني من أغسطس 1990 عندما شنّت القوات العراقية هجوماً على الكويت واجتاحت أراضيها، حيث دارت معارك متفرقة بين القوات العراقية والجيش الكويتي وانتهت باحتلال الأراضي الكويتية. دام الغزو العراقي مدة سبعة أشهر في سابقة هي الأولى من نوعها في القرن العشرين.

منذ اللحظات الأولى، قامت الكويت والولايات المتحدة بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي بحضور الأمين العام آنذاك – السيد خافيير بيريز دي كوييار- وتمّ إصدار القرار رقم 660 الذي أدان الغزو العراقي للكويت، وطالب العراق بالانسحاب الفوري والغير مشروط من الأراضي الكويتية، وبدأت المفاوضات بين البلدين لحل خلافاتهما، ولكن النظام العراقي أبى أن ينصاع للإرادة الدولية وأصرّ على موقفه زاعماً أنّ العمل العسكري هذا هو شأن عراقي داخلي.

تجلّت قوة الشعب الكويتي وتماسكه وصموده ومقاومته للاحتلال أثناء الغزو العراقي، إلى جانب إلتفافه حول حكومته والقيادة الشرعية الأمر الذي أثار إعجاب العالم بأسره، فلا مساومة على سيادة الكويت واستقلالها وسلامة أراضيها.

ويستذكر الكويتيون بكل فخر واعتزاز، الدور الكبير الذي قام به سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح -طيب الله ثراه- في استعادة دولة الكويت لسيادتها واستقلالها وتحريرها من براثن العدو الآثم، فمنذ الأسابيع الأولى للغزو الغاشم قام سموه -رحمه الله- بإصدارعدة أوامر ومراسيم أميرية أهمّها انعقاد الحكومة بصفة مؤقتة في المملكة العربية السعودية، ومباشرة الوزراء لأعمالهم لتنظيم الشأن الداخلي للدولة، بالإضافة إلى رعاية وتنظيم الأمور المعيشية والمالية للعائلات الكويتية في الخارج. كما أصدر سموه رحمه الله مرسوماً يقضي بعدم الالتزام بقيمة الأوراق النقدية المسروقة من خزائن بنك الكويت المركزي في أكتوبر 1990، ومرسوماً آخر يقضي بإخضاع أموال الكويتيون وغيرهم من المقيمين للحماية.

على الساحة الدولية، تعدّدت جهود سموه رحمه الله في استعادة سيادة واستقلال الكويت. فقد قام بحشد التأييد الدولي والمشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية، وإرسال الوفود الكويتية لايصال صوت الحق ودعم قضية الكويت العادلة، حيث كانت الخطوة الأولي هي المشاركة في مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عُقد في القاهرة – جمهورية مصر العربية في أغسطس 1990م، والذي نتج عنه تحمّل القادة العرب مسئولية إنهاء الاحتلال الغاشم وعودة الشرعية للكويت، كما وجّه سموه رحمه الله رسالة إلى المؤتمر الإسلامي العالمي الذي عُقد في مكة المكرمة في 10 سبتمبر 1990م، والتي أكّد فيها على مبادئ الإسلام وأسس الإيمان والتي من أهمها ردّ الحق والتصدي للظلم وردع الفئة الباغية.

كما قام سموه رحمه الله في 27 سبتمبر 1990م بمخاطبة ما يزيد عن ستين رئيس دولة، وتسعين رئيس حكومة ووزير وسفير في الدورة الخامسة والأربعين للجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في لحظةٍ تاريخيةٍ، حصل فيها على تأييد غير مسبوق من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين وقف جميع الحضور وعجّت القاعة بالتصفيق إجلالاً وتقديراً وتأييداً لسموه ولقضية الكويت العادلة.

أيضاً، شارك سموه رحمه الله في 22 ديسمبر 1990 بالقمة الحادية عشرة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عُقدت في العاصمة القطرية- الدوحة، تحت شعار " التحرير و التغيير"، والتي أكّدت على وقوف دول مجلس التعاون بجانب دولة الكويت، وتمّ الإعلان أنّ علاقات دول مجلس التعاون مع دول العالم سوف تتأثر سلباً أو إيجاباً بحسب مواقف تلك الدول من تنفيذ قرار مجلس الأمن.

بالإضافة إلى العديد من الزيارات الرسمية التي قام فيها سموه رحمه الله في إطار جولاتٍ واسعة شملت بعض دول مجلس الأمن الدائمة العضوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية والمملكة المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، لكسب تأييدهم في قضية الكويت العادلة.

تحرير الكويت:

في 17يناير 1991م، نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف التزامهم وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 678، بإرغام النظام العراقي على الإنسحاب من الأراضي الكويتية. انطلقت حرب تحرير الكويت، المعروفة أيضاً من قبل قوات التحالف " بعملية عاصفة الصحراء"، وحقّقت هذه العملية العسكرية هدفها بانسحاب القوات العراقية وتحريرالكويت وعودة الحكومة الشرعية في 26 فبراير 1991.

بعد تحرير الكويت ألقى سموه رحمه الله كلمةً بمناسبة العشر الأواخر من رمضان 1411 هجرية، قال فيها "الحمدلله الذي جمعنا على أرضنا ولمّ شملنا وشدّ أزرنا ونصرنا على الظالمين وما كنّا بغيره منتصرين، والرحمة لشهدائنا والفرج لمفقودينا والصحة والعافية لمصابينا وجرحانا". وأكدّ سموّه رحمه الله في كلمته أنّ محنة الكويت كشفت عن أصالة ونبل جميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها، فقد أثبتوا أنّ الإخوة والإخاء ليست مجرّد كلمات يرددها اللسان، بل إيمان راسخ في القلوب يتجلّى عند الشدائد والمحن.

وأشاد سموّه رحمه الله بالدور الكبير الذي قامت به الدول العربية والإسلامية الصديقة في تحرير دولة الكويت، وكذلك الأصدقاء في قوات التحالف الدولية الذين أوفوا بعهودهم وبذلوا طاقاتهم وإمكانياتهم من أجل الدفاع عن الحق والحريات.

لعب الكويتيون دوراً فعّالاً في المقاومة والتحرير، حيث سطّر كفاح الشعب مرحلة فاصلة في مسيرة هذا الوطن، ودفع العديد من أبناء وبنات الكويت أرواحهم فداءً له.

إنّ يوم السادس والعشرون من فبرايرعام 1991 ليس كغيره من الآيام، فهو اليوم الذي اختزل قصة شعب احتلت أرضه فقاوم وانتصر وتحرر من المحتل الآثم. وفي هذا اليوم من كل عام يجدد الكويتيون امتنانهم لكل من ساند القضية الكويتية.

إعادة الإعمار:

بعد تحرير الكويت، وافق النظام العراقي على قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالغزو وما ترتّب عليه من من التزامات متعددة تجاه الكويت. حسمت هذه القرارات جميع القضايا المتعلّقة بالغزو ومسبباته بشكل نهائي.

بعد عودة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح – طيّب الله ثراه- إلى أرض الوطن في 14 مارس 1991، قام سموّه بالعديد من الزيارات الرسمية والودية التي شارك من خلالها في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية لتقديم الشكر لهيئة الأمم المتحدة والدول الأعضاء، بالإضافة إلى الدول التي ساهمت في عملية تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي على موقفهم المشرّف تجاه قضية الكويت العادلة.

وبعد عودة القيادة الكويتية إلى الوطن، وضعت ونفذت خطة شاملة لإعادة إعمار الكويت بعد الدمار الذي لحق بها، وتعطيل منشآتها السياسية، وشلل بنيتها الأساسية. نجحت الحكومة في تنفيذ خطة الإعمار التي كلّفت ما يقارب 70 مليار دولار. وشهد يوم السادس من نوفمبر عام 1991م الاحتفال بإطفاء آخر بئر نفطي من الآبار التي أشعلها العراقيون قبل هزيمتهم.

وللتعبيرعن اعتزاز الكويت بتاريخ السادس من نوفمبر 1991م، تقدمت الكويت آنذاك بمشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى إعلان السادس من نوفمبر من كل عام يوماً دولياً للاحتفال بمنع استخدام البيئة في الحروب و الصراعات العسكرية، حيث تطرّقت فيه الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أن " تمتنع جميع الدول الأعضاء في علاقاتها الدولية عن التهديدات باستعمال القوة أو استعمالها ضد سلامة أية دولة" وتمّت الموافقة عليه في نوفمبر 2001 ، مؤكداً أنّ الضرر الناتج عن استخدام البيئة في حالات النزاع يؤثر على النظام البيئي والموارد الطبيعية لفترات طويلة تتجاوز حدود الأراضي والأجيال المعاصرة مع المطالبة بضرورة الحفاظ عليها لصالح مستقبل الأجيال.

الكويت اليوم

الكويت اليوم

تشهد الجهود التي بذلت في بناء الدولة منذ الاستقلال على حكمة القيادة السياسية، وتدل على مستقبلٍ أفضل لتحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات الإنسانية على الساحة الكويتية ، لذا يجدر بنا ذكر بعض تلك الإنجازات الرائعة بشيءٍ من الإيجاز والإشادة بدور صانعيها من الروّاد الأوائل، الذين لا تزال بصماتهم واضحةً على ما قدّموه من عمل يفخر به الأبناء، وسيكون -بلا شك - محط إعجاب الأحفاد في المستقبل.

الحركة التعاونية

تُعدّ الجمعيات التعاونية الإستهلاكية من أهم المعالم الاقتصادية في الكويت، فهي تمثّل 70 في المائة من تجارة التجزئة في الدولة، كما تلعب دوراً اجتماعياً وسياسياً هاماً في المجتمع، واليوم تشبه الجمعيات التعاونية في الكويت إلى حدٍ كبيرٍ المجمعات التجارية الحديثة.
شهدت الكويت بداية التعاون الاستهلاكي مع تأسيس الجمعية التعاونية المدرسية في المــدرسة المباركية عام 1941م، ثم تأسست بعدها بعض الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في بعض الدوائر الحكومية عام 1955م، مثل الجمعية الاستهلاكية لموظفي دائرة الشؤون الاجتماعية، والجمعية التعاونية لموظفي دائرة المعارف. وكانت تلك الجمعيات تخضع لأحكام قانون الأندية والمؤسسات الاجتماعية نظراً لعدم وجود قانون خاص للتعاون آنذاك.
لم يبدأ التنظيم الشامل للتعاون الاستهلاكي بالكويت إلاّ بصدور القانون رقم 20 لسنة 1962م ، حيث وضع هذا القانون الضوابط و الاجراءات لإنشاء الجمعيات التعاونية، وتنظيم عضويتها، وإدارتها، والرقابة عليها بالإضافة إلى تحديد آليات حلّها وتصفيتها.
ومع بداية الثمانينات، اتجهت الحركة التعاونية الاستهلاكية نحو الانفتاح على الحركات التعاونية العربية والدولية، واكتسب اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية الكويتي عضوية الحلف التعاوني الدولي في مارس عام 1981م.
يتجلّى الجانب الإيجابي في عمل الجمعيات التعاونية بالتزامها بتخصيص 25 % من الأرباح السنويّة لتقديم الخدمات الاجتماعيّة في المنطقة التابعة لها، مثل تنظيم رحلات الحج والعمرة، وتزويد المدارس والمستشفيات ببعض الاحتياجات الضرورية فضلاً عن تنظيم الدورات الاجتماعية و التعليمية و الفعاليات الترفيهية لأبناء المنطقة.
يُعدّ إنشاء مستشفى التعاونيات للقلب من أحدث المشروعات الرائدة التي قامت بها الجمعيات التعاونية لعلاج أمراض القلب وتقديم خدمات الأشعة التشخيصية بتكلفة إجمالية بلغت 15 مليون دينار (53 مليون دولار أمريكي تقريباً).

الرعاية الاجتماعية

ادراك الكويت لأهمية الضمان الاجتماعي للحالات الإنسانية دفعها إلى اتخاذ خطوات مبكرة لإيجاد أنظمة اجتماعية، يمكن من خلالها ضمان مورد مالي جيّد للأفراد الغير قادرين على العمل. تجسّد هذا الالتزام من خلال  إصدار قانون المساعدات العامة، ومن ثم قانون التأمينات الاجتماعية اللذان يشكلان نموذجاً متكاملاً للرعاية الاجتماعية و الضمان الاجتماعي في الكويت.

قانون المساعدات العامّة

في عام 1955،  تم تكليف دائرة الشئون الاجتماعية بتقديم المساعدات، والتي بدورها وضعت قواعد أساسية تعتمد على البحث الاجتماعي لتقييم حالات المستفيدين. شملت هذه المساعدات حالات العجز الكلّي عن العمل بسبب الإصابة أوالشيخوخة، وحالات وفاة عائل الأسرة، و الكوارث الطبيعية. بلغ عدد الحالات التي تتقاضى المساعدات آنذاك 613 أسرة بإجمالي ما يقارب الأربعة آلاف دينار كويتي.
وفي عام 1962م، بعد استقلال الكويت وإصدار الدستور، كان من الضرورة وضع قانون لتنظيم تلك المساعدات، فتم إصدار قانون 1968م والذي امتد ليشمل الحالات التالية: الأرامل والمطلقات والأيتام والمرضى وذوي الإعاقة وأسر المساجين وأسر المسرّحين عن العمل و العاجزين مادياً وكبار السن وأسر الطلبة والنساء الغير عاملات والغير متزوجات.

التأمينات الاجتماعية

تعتبرالتأمينات الاجتماعية في الكويت حق أساسي لكل مواطن، وتسهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. يرتبط نظام التأمينات بحالة الفرد بغض النظر عن مصدر دخله، إذ تمتد مظلة التأمين الاجتماعي لتشمل كافة المواطنين من خلال التأمين على العائل.
تمّ إصدار قانون التأمينات الاجتماعية رقم (61) لسنة 1976م انطلاقاً مما نصّ عليه دستور الكويت في (المادة السابعة) أنّ "التعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين"، وما نصّت عليه (المادة الحادية عشرة) بأن "تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفّر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية"، ويتألف القانون من (132 مادة). وفي أكتوبر عام 1977م، بدأ تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية بمفهومه الواسع على المواطنين المدنيين العاملين في القطاع (الحكومي – النفطي – الأهلي). وفي السنوات التالية، توسع ليشمل جميع المواطنين في مختلف القطاعات، ووصلت نسبة التغطية التأمينية للمواطـــنـيـن إلى أعلى مستوى لها وهو (100% من الناحية العملية).
يتميّز نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت بالكفاءة والمزايا الفائقة التي تقدمها الدولة للمواطنين. ويرجع ذلك إلى الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة لهذا النظام بالإضافة إلى الأسلوب المتميّز في تقديم الخدمات التأمينية من خلال المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

الهيئة العامة لشئون القصر

هي هيئة ذات أهداف إنسانية ورسالة نبيلة تأسست في عهد المغفور له الشيخ/ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت عام 1939 بهدف الوصاية على من لا وصي ولا ولي له من القصّر والمحجورعليهم وفاقدي الأهلية والمفقودين، وحماية أموالهم وصيانة ممتلكاتهم .
يُشرف وزير العدل على عمل الهيئة، وتتمتّع الهيئة بكافة الاختصاصات اللازمة للوصاية والإشراف، وتلتزم بالواجبات المُقررة طبقاً لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1983، والقانون المدني ما لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإن لم يوجد فيهما نص طُبقت أحكام الشريعة الإسلامية.

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

تمّ إنشاء مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بمبادرة من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد، بموجب مرسوم أميري صدر في 21 ذي الحجة 1396ه الموافق 12 ديسمبر 1976م بدعم ومساهمة غرفة تجارة وصناعة الكويت.
تُعدّ مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مشروعاً مبتكراً في المنطقة العربية آنذاك، وهي مؤسسة ذات نفع عام يديرها مجلس إدارة برئاسة حضرة صاحب السمو أمير البلاد – حفظه الله- وستة أعضاء تختارهم الشركات المساهمة الكويتية لمدة ثلاث سنوات، وتهدف المؤسسة إلى دعم تطور العلوم والتكنلوجيا والابتكار.

مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع

اعتمد مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في اجتماعه المنعقد بتاريخ 9 فبراير 2009م برئاسة المغفور له الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مبادرته السامية لإنشاء مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع ليُعنى باكتشاف ورعاية المتميزين والموهوبين والمبدعين، ومساعدة المخترعين على تطوير أفكارهم وتسجيل براءات اختراعاتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل المركزعلى تطويرالمهارات الفنية وتنظيم أنشطة للعلماء الصغار، وتقديم برامج تدريبية تعزز القدرات الابداعية، ممّا يسهم بشكل فعّال في دعم التنمية العلمية في الكويت ويجعله من المشاريع الرائدة في الوطن العربي.

صندوق احتياطي الأجيال القادمة

في 28 نوفمبر 1976، صدر مرسوم أميري بشأن تأسيس صندوق احتياطي الأجيال القادمة، حيث تم تخصيص 50% من رصيد صندوق الاحتياطي العام للبلاد في تلك السنة، وأن يودع به سنوياً 10% من إجمالي إيرادات الدولة اعتباراً من السنة المالية 1976-1977. وتعتبر الهيئة العامة للاستثمار الجهة المسؤولة عن إدارة الصندوق وإعادة استثمار الأموال نيابةً عن الحكومة في مشاريع مختلفة على الصعيدين المحلي والدولي.
يُعدّ صندوق احتياطي الأجيال القادمة المصدر الذي تعتمد عليه الحكومة لتغطية أي أزمة اقتصادية قد تواجهها الدولة.

الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

لم تغفل دولة الكويت عن معاناة الكثير من شعوب الدول النامية، فمنذ عقود مضت وقبل اكتشاف النفط  كانت دوماً سبّاقة في إدراك تحديات تلك الدول ولطالما سعت في حل قضاياها التنموية. وعلى الرغم من كون الكويت من الدول النامية، إلاّ أنّها لم تتردّد في استقطاع جزء كبير من دخلها القومي لمساعدة الدول الأخرى. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بمبادرة من المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الذي كان وزيراً للمالية آنذاك، لتكون أول مؤسسة إنمائية في الشرق الأوسط تعمل على تقديم المساعدات التنموية للدول النامية العربية ومد يد العون لها.
تمّ الإعلان عن تأسيس الصندوق في ديسمبر 1961م، لتكون أول مؤسسة انمائية في الشرق الأوسط تنشأها الكويت بعد استقلالها مباشرةً، ممّا يبرز إدراكها لأزمة التنمية في العالم الثالث، وعلى الرغم من صغر مساحتها، خصّصت الكويت جزءاً من مواردها لتعزيز القضايا التنموية ومساعدة الدول النامية خاصةً في مجال القروض والمساعدات الفنية اللازمة لتمويل برامج التنمية على أسس فنية واقتصادية سليمة لكي تكفل نجاح المشاريع المموّلة وتحقق للدول المستفيدة القدر الأكبر من المنفعة الاقتصادية والاجتماعية.
وفي يوليو 1974م تم توسيع نطاق نشاط الصندوق ليشمل جميع البلدان النامية حيث زاد رأسماله من 200 مليون دينار كويتي إلى 1 مليار دينار كويتي. وفي مارس عام 1981م تضاعف رأسمال الصندوق مرةً أخرى ليصل إلى 2 مليار دينار كويتي. ممّا لا شك فيه أن الصندوق الكويتي نجح في تحقيق الأهداف المنشودة، وساهم بشكلٍ فعّال في بناء سمعة دولية طيبة للكويت عبر دعمه للتنمية الاقتصادية وتقديم المساعدات الإنسانية، الأمر الذي انعكس على تعزيز العلاقات بين الكويت والدول المستفيدة ممّا أثر إيجاباً على مواقف تلك الدول في المحافل الدولية تجاه الكويت.